الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة كان عنده غلام فرهنه ثم ادعى بعد ارتهانه أنه ابنه ثم مات: .مسألة ترتهن من زوجها خادما له في حق لها عليه: قال محمد بن رشد: تفرقة ابن وهب في إيجاب أجرة الخادم للزوج الراهن، بين أن تعمل لها خاصة في غير خدمة بيتها، وبين أن تعمل لها فيما، هو من خدمة بيتها، صحيح لا ينبغي أن يختلف في ذلك، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «الرهن ممن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه» لأن إجارته من غنمه. ولقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ «الرهن محلوب ومركوب بنفقته» معناه عندهم: أن حلبه وأجر ركوبه للراهن، كما أن عليه نفقته. فقول أشهب لا أجرة له، ليس بخلاف لقول ابن وهب؛ لأن معناه: إنما هو لا أجرة له فيما عملت لها مما هو من خدمتها وعمل بيتها، وذلك بين على القول بأن على الزوج أن يخدم زوجته، وأما على القول بأن عليها الخدمة الباطنة، من الكنس والفرش والخبز والطبخ واستقاء الماء، إذا كان في داخل الدار، فالقياس أن يحلف أنه لم يتركها تخدمهما إلا على أن يتبعها بأجرته، ويكون ذلك له، ويشبه ألا يكون ذلك له مراعاة للخلاف، وأما ما عملت لها من غير عمل بيتها، فللزوج في ذلك الأجرة دون يمين. وقد قال ابن دحون: إن الأجرة لا تجب لها إلا بعد أن يحلف أنه ما أباح لها خدمة الخادم، وهو بعيد، إلا أن تدعي ذلك عليه. وفي إجازة ابن وهب: الرهن في الخادم وإن كانت في البيت معها في خدمتها، اختلاف قد مضى تحصيله في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة يبيع البيع ويرتهن الدار أو العبد ويشترط الانتفاع به إلى أجل معلوم: قال محمد بن رشد: إجازته في هذه الرواية، أن يرتهن في أصل البيع دارا أو عبدا أو ثوبا، ويشترط الانتفاع بذلك إلى أجل معلوم، هو مثل قوله في المدونة خلاف قول مالك فيها من أن ذلك يجوز في الرباع والأصول، ولا يجوز في الحيوان والثياب، إذ لا يدري كيف يرجع ذلك؟ واحتج ابن القاسم عليه في قوله: إذ لا يدري كيف يرجع ذلك؟ بأن الإجارة في ذلك جائزة، وإن لم يدر كيف ترجع، ولا حجة على مالك في ذلك؛ لأنه لم يكره ذلك من ناحية الغرر في الإجارة، كما ظن ابن القاسم، وإنما كرهه من ناحية الغرر في الرهن، إذ لا يدري ما تكون قيمته بعد استعماله، قال أبو إسحاق التونسي: فيأتي على قوله في هذه المسألة: إنه لا يجوز رهن الغرر، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها والزرع الذي لم يبد صلاحه في أصل البيع خلاف ظاهر الروايات في ذلك، في المدونة وغيرها وكره ذلك مالك في المدونة ولم يقل ماذا يكون الحكم فيه إذا وقع، ويتخرج في ذلك أربعة أقوال: أحدها: إنه يفسد البيع والرهن، فلا يكون أحق به من الغرماء، والثاني: إنه يفسد البيع ولا يبطل الرهن، فيكون رهنا بالأقل من القيمة أو الثمن، والثالث: إنه لا يفسد البيع ولا الرهن، وإنما يكره ذلك ابتداء، فإذا وقع نفذ ومضى، وهو الظاهر من مذهب مالك في المدونة، والرابع: إنه يصح البيع ولا يفسد، ويبطل الرهن، فلا يكون أحق به من الغرماء. وما قاله أبو إسحاق التونسي من أنه يأتي على قياس قول مالك في هذه المسألة، إنه لا يجوز رهن الغرر، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها في أصل البيع ليس بصحيح، والصواب جواز الثمرة التي لم يبد صلاحها في أصل البيع وفيما بعده، والفرق بين المسألتين، أن الغرر في هذه المسألة في الرهن إنما كان غررا فيما شرطاه فيه من الشرط الفاسد، وذلك مثل أن يشترط أنه إن جاءه بحقه إلى أجل كذا وكذا، وإلا فالرهن له بما فيه، أو مثل أن يشترط أنه رهن بيده إلى أجل كذا وكذا، فإذا انقضى الأجل، خرج الرهن من أن يكون رهنا وما أشبه ذلك. والثمرة التي لم يبد صلاحها، لا صنع لهما فيها، ولا يقدران على رفع الغرر عنها. وهذا هو المشهور في المذهب، أن ارتهان الثمرة التي لم يبد صلاحها جائز في أصل العقد. وفي المبسوطة لمالك من رواية ابن القاسم عنه أن ذلك لا يجوز، وأما ارتهان ما في بطون الإناث، فلا يجوز على ما في كتاب الصلح من المدونة. وأجاز ذلك أحمد بن عيسى، وهذا الاختلاف إنما هو إذا كان الارتهان في أصل البيع، وأما ارتهان ذلك بعد عقد البيع، فلا اختلاف في جوازه. وحكى عبد الحق عن الشيخ أبي الحسن، أنه قال: إنما كره مالك في الثياب؛ لأنها تضمن في الرهن، ولا تضمن في الإجارة، فكره اجتماعهما للشك فيما يكون الحكم فيها لو ادعى المرتهن تلفها، قال: وأما الحيوان، فقد اختلف قوله في وجوب ضمانها على المرتهن إذا ادعى تلفها، فلعل قوله في هذه المسألة على قوله في أن المرتهن ضامن للحيوان، وليس قوله بصحيح؛ لأن مالكا قد بين أنه إنما كره ذلك من أجل أنه لا يدري كيف يرجع إليه الدابة أو الثوب؟ ولو ادعى المرتهن تلف الثوب لوجب أن يغلب في ذلك حكم الرهن، فلا يصدق في تلفه. وقد قال أبو إسحاق التونسي: إن الذي ينبغي في ذلك أن ينظر إلى القدر الذي يذهب منه بالإجارة، مثل أن يقال: إذا استؤجر شهر، أينقصه الربع؟ فيكون قدر ربعه غير مضمون، ولأنه مستأجر، وثلاثة أرباعه مضمونة؛ لأنه مرتهن، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يستأجر منه ربع الثوب، وارتهن ثلاثة أرباعه، فيكون ما ذكر هو الحكم فيه. وإنما ارتهن جميعه، واستأجر جميعه، فإما أن يحكم له في دعوى الضياع بحكم الإجارة، وإما أن يحكم له بحكم الرهن. والصواب ما ذكرناه، من أن يغلب فيه حكم الرهن، فلا يصدق فيما ادعى من تلفه، ويغرم قيمته على ما هو عليه يوم يحكم عليه بضمانه، فإن ادعى ضياعه بقدر ارتهانه إياه قبل استعماله، غرم قيمته على ما كان عليه يوم رهنه إياه، وسقط عنه ذلك القدر من الإجارة، ونظر ذلك القدر كم هو من الجملة؟ فيرجع بجزئه من قيمة ثوبه المبيع، أو يشاركه فيه إن كان قائما على اختلاف في ذلك لضرر الشركة، وإن ادعى ضياعه بعد انقضاء الأجل الذي شرط الانتفاع به إليه ضمن قيمته ناقصا على ما يقدر أن الاستعمال نقصه، وتلزمه الإجارة، ولا يصدق إن ادعى بعد حلول الأجل أنه تلف قبل ذلك على مذهب ابن القاسم لأنه يقول: إذا ادعى المستأجر ضياع الثوب المستأجر، حين حل الأجل وأن ضياعه كان قبل ذلك لم يصدق في إسقاط الإجارة عنه، ولزمه جميع الإجارة، إلا أن تقوم له بينة على الضياع، أو على التفقد والطلب، وخالفه في ذلك غيره. وبالله التوفيق. .مسألة أخذ الزوج الحلي فرهنه ثم أعلم الزوجة فحسبته ثم سكتت ومات الزوج: وقال في امرأة أخذ زوجها لها حليا فرهنه، ثم أعلمها بذلك، وقال لها: أنا أفكه، قال فحسبته قال: فسكتت حين مات الزوج، ثم طلبته، قال: تحلف بالله ما رضيت، ولا كان سكوتها تركا لذلك، وتأخذه حيث وجدته، ويتبع المرتهن مال الميت، قال أصبغ: وذلك إذا عرف أن الشيء شبيها أو ثبتت عليه بينة. قال محمد بن رشد: في بعض الكتب في هذه المسألة مكان فحسب فخشيته، فعلى رواية من روى فحسبته، تأتي هذه الرواية، خلافا لما تقدم في رسم خرجت من سماع عيسى؛ لأنه لم يوجب لها هناك الرجوع إذا طال الأمر بعد علمها، وأما على رواية من روى فخشيته، فليست بمخالفة لها: لأنها تعذر بالخوف على نفسها من زوجها، ويكون لها أن تأخذ حقها بعد يمينها أنه لم يكن سكوتها حتى مات زوجها إلا لخوفها إياه على نفسها، وإن لم يعرف ما ادعته من مخافتها إياه، فذلك على ما يعلم من حالها معه في غلظ الحجاب والشدة والسطوة، فإن جهل ذلك، فالقول قولها. وقد مضى القول في هذه المسألة في الرسم المذكور من سماع عيسى فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة ارتهنت خادما من زوجها ببقية صداقها قبل الدخول: قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن امرأة ارتهنت خادما من زوجها ببقية صداقها قبل الدخول، وأقامت أشهرا بعد ارتهانها إياها، ثم دخلت على زوجها ودخلت بالخادم معها بيت زوجها، فكانت تخدم، فتعدى عليها الزوج، فسرقها، فباعها، قال: بيعه جائز، وذلك أن الرهن قد انفسخ، قلت: وترى دخولها بها على زوجها، وإنما دخلت بها تخدمها ردا للرهن؟ قال: نعم، حتى يضعها عند غيرها، أرأيت لو ارتهنتها وهي تحته، فتركتها معه في البيت أذلك رهن؟ ليس ذلك برهن، قلت: إنها حازتها قبل الدخول، قال: قد ردتها. انظر كل أمر إذا ابتدئ فلا يكون ذلك حوزا، فهو إذا فعل بعد حوز، فدخله فوات، فقد انفسخ الحوز، وذلك مخالف للصدقة والهبة، إذا وهب الزوجان، كل واحد منهما لصاحبه، وتصدق عليه بخادم، فدفعها إليه، فكانت في البيت تخدمهما، فذلك حوز لكل واحد منهما. وأصل هذا من قول مالك: في أن من حبس حبسا فقبضه المحبس عليه، وحازه سنين، ثم أسكن فيه المحبس، فإن ذلك يبطل حبسه، والصدقة مثل ذلك، وأن من ارتهن رهنا فقبضه وحازه ثم رده إلى صاحبه، فإن ذلك يبطل رهنه، ويفسده ويفسخه. وقد قال لي مالك في امرأة ارتهنت من زوجها خادما فكانت معها في البيت تخدمها وتخدمه: إن ذلك ليس برهن، حتى يخرجها. وقال أصبغ: كله المسألة كلها، وهو رأي، وهي صحيحة جيدة- إن شاء الله- مع الاتباع لأهل العلم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى تحصيل القول فيها في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادتها. وبالله التوفيق. .مسألة الرهن إذا لم يصفه الراهن ولا المرتهن: قال محمد بن رشد: هذا كما قالا، وهو مما لا اختلاف فيه في المذهب، إن الرهن يذهب بما فيه إذا ادعى المرتهن هلاكه، وهو مما يغاب عليه وعميت قيمته، ولم يصفه هو ولا الراهن، وحمل الحديث «الرهن بما فيه»، على هذا الموضع على ما حمله عليه أصبغ حسن. وأما إذا عرفت قيمته، فإنهما يترادّان فيما بينهما، وكذلك إن اختلفا في صفته، يترادان على ما يحلف عليه المرتهن، وإن قامت بينة على تلفه، فمصيبته من الراهن وقد روى عن مالك أن ضمانه من المرتهن، وإن قامت البينة على تلفه، ويتقاصان فيما بينهما. وأما ما لا يغاب عليه من الحيوان والأصول، فالمصيبة فيه من الراهن، والقول قول المرتهن فيما يغاب من الحيوان فيما يدعي من موته، أو إباقه مع يمينه، إلا أن يتبين كونه فيما يدعي في ذلك من الموت؛ إذ لا يخفى ذلك إذا كان في جماعة. هذا تحصيل ما في المذهب في هذه المسألة. ومن أهل العلم من رأى أن الرهن يذهب بما فيه إذا تلف، كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه، قامت بينة على تلفه أو لم تقم، على ظاهر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرهن بما فيه» ومنهم من رأى ضمانه من المرتهن على كل حال، ومنهم من قال: يذهب بما فيه إذا كانت قيمته مثل الدين أو أكثر، وإن كانت قيمته أقل من الدين، رجع المرتهن على الراهن ببقية حقه. ومنهم من رأى ضمانه من الراهن على كل حال؛ لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه» كان مما يغاب عليه أو مما لا يغاب عليه. وهو مذهب الشافعي. والصحيح ما ذهب إليه مالك من الفرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه، ومن الفرق فيما يغاب عليه بين أن تقوم بينة على هلاكه، أو لا تقوم. وبالله التوفيق. .مسألة وضع على يديه رهن وتحمل به من جميع ما نقصه إلا الموت: قال محمد بن رشد: لكلا القولين وجه من النظر، وقول أصبغ أظهر؛ لأن الرهن على ملك الراهن فكما يكون على الحميل قيمته يوم يموت إذا ضمن قيمته إن مات، فكذلك تسقط عنه قيمته يوم يموت إذا ضمنه ما نقصه من حقه، إلا أن يموت. ووجه قول ابن القاسم، أن الظاهر مما التزمه أن يغرم له ما نقصه من حقه بعد قيمته يوم التزامه؛ لأنه على هذا يكون قد التزم معلوما، وحمل التزامه على المعلوم أولى من حمله على المجهول. وقد مضى في أول رسم من سماع ابن القاسم من القول على هذه المسألة ما فيه بيان لهذا. وبالله التوفيق. .مسألة يرتهن الحائط فيضعه على يد أجيره في الحائط أو مساقيه: قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يرتهن الحائط، فيضعه على يد أجيره في الحائط أو مساقيه: إنه ليس برهن حتى يحوزه ويجعله على يد غير من في الحائط. محمد بن أحمد: هذا بين على ما قال؛ لأن المرتهن إذا وضع الحائط الذي ارتهنه بيد أجير الرهن أو مساقيه، فليس برهن مقبوض، إذ لم يرتفع يد الراهن عنه بكونه في يد أجيره أو مساقيه. وهذا مثل ما في المدونة فيمن أجر عبده ثم وهبه إن المؤاجر ليس بقابض للموهوب له، وكذلك وكيل الواهب، لا يكون حائزا للموهوب له. وقد وقع في سماع ابن القاسم من كتاب الرواحل والدواب، ومن كتاب المديان والتفليس في رسم مساجد القبائل ما يعارض هذه المسألة. وهو قوله: إن للجمال أن يرهن المكتري فيما تسلف منه ما تحته من الجمال، وتحت غيره من المكترين، وهو بعيد. وقد مضى القول عليه في السماع المذكور، من الكتابين. وبالله التوفيق. .مسألة ارتهن رهنا بألف دينار فلما جاء ليقضيه الألف أخرج إليه ثوبا ثمنه مائة دينار فقال هذا رهنك: قال الإمام القاضي: الأشبه في هذه المسألة، ألا ينظر فيها إلى دعوى الأشباه، على ما قاله أشهب، وهو مذهب ابن القاسم، وظاهر قوله في رسم الرهون سماع عيسى بخلاف اختلاف المتبايعين في ثمن السلعة الفائتة؛ لأنه يبعد أن يبيع الرجل ما قيمته مائة، بعشرة، وأن يشتري المشتري ما قيمته مائة بعشرة، وأن يشتري المشتري ما قيمته عشرة بمائة فوجب أن ينظر في ذلك إلى الأشباه، ولا يبعد أن يرتهن الرجل ما قيمته عشرة في مائة، وما قيمته مائة في ألف؛ لأن الرهن وإن قلت قيمته، يسلم المرتهن بارتهانه إياه، من محاصة الغرماء فيه، فهو بمثابة ما لو أقر أنه اقتضى ذلك القدر من حقه، وادعى الذي عليه الحق أنه دفع إليه أكثر من ذلك، فوجب أن يكون القول في ذلك قول المرتهن؛ لأن لما ادعاه وجها، وهو المدعى عليه. وقد أحكمت السنة أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. وكذلك القياس، إذا جاء المرتهن بثوب قيمته دينار، فادعى أنه ارتهنه في مائة دينار، أو في ألف دينار، على ما قاله أشهب، إلا أنه إغراق فيه، كما قال أصبغ. والعدول عنه في هذا الموضع إلى مراعاة الأشباه، أنه يبعد أن يرتهن الرجل في مائة دينار أو ألف ما قيمته دينار، أولى وأظهر من قول أشهب استحسانا؛ لأن الاستحسان في العلم أغلب من القياس. فقد قال مالك: تسعة أعشار العلم الاستحسان، وإذ أدى طرد القياس إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه، كان العدول عنه إلى الاستحسان أولى، ولا تكاد تجد التغرق في القياس إلا مخالفا لمنهاج الشريعة. وبالله التوفيق. .مسألة يرتهن العبد من رجل ويضعه على يدي رجل: قال محمد بن رشد: أما إذا استحق الرهن فلا اختلاف في أنه ضامن له؛ لأن سببه من قبل الراهن؛ إذ لعله غره به وخدعه. وأما الموت فالاختلاف فيه منصوص عليه في أول رسم من سماع ابن القاسم. وأما النقصان، فإن كان من شيء أصاب الرهن من عيب أو مرض وشبهه، فيجري ذلك على اختلاف قول مالك في الموت، وأما إن لم يكن النقصان من شيء أصاب الرهن، وهو الظاهر من مراده في هذه الرواية، فالمعلوم أنه لا يلزم الضامن ضمانه إذا قال: أنا ضامن لرهنك، أو ما نقص من رهنك، وإنما يلزمه ضمان ذلك، إذا قال: أنا ضامن لرهنك، وما نقص منه حقك. وقد وقع في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، أنه ضامن للنقصان، إذا قال: أنا ضامن لما نقص من رهنك. وأما الاختلاف الذي حكاه في هذه المسألة فلا يبعد، لقوله فيها: إنه ضامن له، حتى يستوفي حقه، ولو قال: إنه ضامن له. ولم يقل حتى يستوفي حقه، لما صح دخول الاختلاف في ذلك، إلا على ما وقع في رسم كتب عليه. وهو بعيد، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم. وبالله التوفيق. .مسألة يرتهن الرهن فيأتي الراهن ليفتكه فيختلفان فيما رهن فيه: قلت: فسواء عندك كان اختلافهما في جميع الأشياء، مثل الثياب والحلي والطعام، والإدام يسلك بذاك مسلك ما ذكرت في أول المسألة، قال: نعم. قال الإمام القاضي: لا تخلو المائة الإردب في هذه المسألة من ثلاثة أحوال: أحدها أن تكون قيمتها أكثر من المائة دينار التي ادعى المرتهن، والثاني أن تكون قيمتها مثل المائة والثالث أن تكون قيمتها أقل من المائة، فأما إن كانت قيمتهما أكثر من المائة، فقال في الرواية: إن القول قول الراهن، وتقبض منه وتباع، فيوفى المرتهن مائته، يريد: ويوقف الباقي؛ لأن كل واحد منهما مقر به لصاحبه، فأيهما يدرأ إلى تكذيب نفسه، وتصديق صاحبه أخذه. وفي هذا اختلاف هو مذكور في غير هذا الكتاب. وقال بعض أهل النظر: قوله. إن القول قول الراهن، معناه: إن القول قوله بغير يمين، إذ لا معنى ليمينه؛ لأنه سواء حلف أو نكل، لابد أن يباع من الطعام بمائه دينار للمرتهن، ويوقف الباقي، وليس قوله بصحيح، بل لابد من يمينه؛ لأنه إن حلف بيع الطعام على ملك المرتهن، وإن نكل على اليمين، حلف المرتهن وبيع الطعام على ملك المرتهن، ولو بدر السلطان فباعه قبل أن يحلف الراهن، ووقف البقية، لمضى ذلك من حكمه ولم يحتج في ذلك إلى أن يتعقب حكمه بيمين، ولو تلف الطعام، في حال بيعه، لم يكن بد من الرجوع في ذلك إلى الأيمان. فإن حلف الراهن كانت مصيبته من المرتهن، وإن نكل عن اليمين وحلف المرتهن، كانت مصيبته من الراهن. وأما إن كانت قيمته مثل المائة، فالقول قول الراهن مع يمينه، يحلف، ولا يكون للمرتهن إلا المائة إردب، فإن نكل عن اليمين حلف المرتهن، وأخذ المائة، ولا كلام في هذا الوجه لأن الرهن لا يشهد للمرتهن بصفة الدين إذا اختلفا في نوعه، وإنما يشهد في مبلغه إذا اختلفا في قدره، على اختلاف بين أهل العلم في ذلك، قد مضى ذكره، وأما إن كانت قيمتها أقل من المائة التي ادعى المرتهن، وهي قيمة الرهن، فوجه الحكم في ذلك أن يحلفا جميعا؛ لأن كل واحد منهما في حكم المدعي والمدعى عليه: الراهن مدعى عليه في الدنانير التي لم يقر بها، وهو في حكم المدعي على المرتهن فيما نقص من قيمة الرهن؛ لأنه يصدق في ذلك مع يمينه، لشهادة الرهن له، والمرتهن مدع في الدنانير التي لم يقر له بها الراهن وهو في حكم المدعى عليه فيما نقص من قيمة الرهن؛ لأن القول قوله في ذلك مع يمينه، لشهادة الرهن له بذلك، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا دفع الراهن إلى المرتهن المائة الإردب، ووفاه قيمة ما نقصت قيمتها من المائة دينار. وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، إن كان الراهن هو الحالف، لم يكن للمرتهن إلا المائة إردب، وإن كان المرتهن هو الحالف، كانت له المائة دينار على الراهن. فقوله: واختلافهما في هذين النوعين كاختلافهما في النوع الواحد، ليس على عمومه؛ لأن القول قول الراهن في النوع الذي يقر به على كل حال. وإنما معناه: أن الرهن للمرتهن شاهد إلى مبلغ قيمته، اتفقا على النوع أو اختلفا فيه. وسواء كان اختلافهما في عين وعرض، أو في نوعين من العروض، أو في دنانير أو دراهم، الحكم في ذلك كله سواء، على ما تقدم. وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يكون للرجلين عليه حق إلى أجل فيرهنهما: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا علة تمنع من جوازها. وبالله التوفيق. .مسألة يكون لهما رهن بينهما فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه: قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة وأصلها في الموطأ. وقد مضت متكررة في رسم الرهون من سماع عيسى، ومضى هناك القول على الموضع المختلف فيه منها فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق. .مسألة ارتهن من رجل دارا إلى أجل ثم أكراها المرتهن من رجل بدينار إلى أجل: قال الإمام القاضي قوله: إنه كان المكتري الذي اكتراها من المرتهن، فأكراها من الراهن من سبب الراهن، فالكراء لازم له، والرهن يفسخ، صحيح على ما في المدونة، من أن من حلف ألا يبيع من رجل سلعة، فباعها من رجل اشتراها للمحلوف عليه، إنه حانث، إن كان الرجل الذي باعها منه من سبب المحلوف عليه؛ لأنه إذا أكراها ممن هو من سبب الراهن، فكأنه قد أكراها من الراهن، وهذا بيّن إذا علم أنه من سببه، وأما إذا لم يعلم أنه من سببه، فيجري الأمر في انفساخ الرهن على الاختلاف في تحنيث الحالف، فأشهب يقول: إنه لا حنث عليه، وروى ذلك عن مالك، وظاهر ما في المدونة أنه حانث. والاختلاف في هذا عندي إنما يرجع إلى تصديقه في دعواه أنه لم يعلم أنه من سببه. وفي قوله: ولا رهن له فيها ما دامت في يديه، دليل أنه إن انقضى الكراء، فرجعت إلى المكتري الأول، الذي أكراها منه المرتهن، أو إلى المرتهن، ترجع على الرهن، وهذا مما لا اختلاف فيه، بخلاف إذ أراد الراهن إليه باختياره، قبل انقضاء أجل كرائه. وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك، وتوجيهه في رسم العتق من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته. وأما قوله: وإن كان ذلك من أجنبي وصح فذلك جائز، فالمعنى في ذلك أن الكراء يجوز ولا ينفسخ الرهن، وإنما لم ينفسخ الرهن وإن كان قد صار بيد الراهن؛ لأن المرتهن مغلوب على ذلك بما لزمه من عقد الكراء، فأشبه ما لو سرقه الراهن، فلم يعلم المرتهن بذلك حتى قام عليه الغرماء، إن الرهن لا ينفسخ، أو لو كان عبدا فأبق من عند المرتهن، فأخذه الراهن، ولم يعلم بذلك المرتهن. وقد مضى بيان هذا في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.
|